الثلاثاء، 30 يونيو 2015

فقه القيادة (11)

فقه القيادة (11)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

نختم مقارنتنا بين المدراء والقادة بتحليل الفروق الموجودة بينهما من جهة العلاقة مع الآخر.
يفضل المدراء العمل مع الآخرين، ويتجنبون العمل لوحدهم الذي يسبب لهم القلق. إن الحاجة إلى أناس آخرين للعمل معهم هي الخاصية النفسية الأولى للمدراء. والخاصية النفسية الثانية هي ضعف انخراطهم العاطفي في علاقتهم بالآخرين. وهذه الخصائص النفسية التي تميز المدراء تجد تفسيرها في طبيعة الأدوار المنوطة بهم والمتمثلة في التوفيق بين الفروق، والبحث عن التفاهمات، والحفاظ على توازن السلط. وهذا ما يجعلهم أيضا يفتقدون إلى التعاطف.
أما القادة فيمتلكون درجة عالية جدا من الانتباه للعلامات العاطفية التي تصدر عن الآخر، ويضفون عليها معاني خاصة تؤطر علاقاتهم بالآخرين. وهذه الخصائص النفسية التي تميز القادة تجد تفسيرها في  حساسيتهم العالية لمشاعرهم الداخلية.
إن المدراء يطورون علاقاتهم مع الآخرين في حدود الأدوار التي يلعبونها في فصول الأحداث أو عمليات صناعة القرار. أما القادة فعلاقاتهم بالآخرين تتجاوز الأدوار الرسمية إلى العلاقات القائمة على الحدس والتعاطف. ولذلك نجد المدراء يهتمون بكيفية إنجاز الأعمال، في حين يركز القادة على المعنى الذاتي للإنجاز.
إن الهدف الأول للمدراء هو تحويل العلاقات من نوع "رابح/خاسر" إلى علاقات من نوع "رابح/رابح". ولأجل ذلك يستخدمون عدة طرق أهمها:
- إثارة انتباه الآخرين حول الشكل بدل المضمون؛ أي حول طريقة اتخاذ القرار بدل مضمون القرار نفسه.
- استخدام الإشارات غير المباشرة في التواصل بدل الرسائل المباشرة. مما يعطي للمدراء مساحة واسعة للتأويل والمناورة حسب الحاجة.
- ربح الوقت عن طريق تأخير اتخاذ القرارات المهمة.
لكن هذه المناورات التكتيكية للمدراء لها تكلفة بقدر ما لها من منافع. فهي من جهة ترهق التنظيم بالدسائس السياسية والبيروقراطية، لكن من جهة أخرى تخفف من ضغط الأنشطة السريعة وتساعد على التحكم في التوترات والصراعات. ويجب أن ننتبه إلى أن المكر الذي يوصف به المدراء غالبا لا ينبع من طبعهم وشخصيتهم بل من طبيعة الأدوار المسندة إليهم ومتطلباتها.
وعلى عكس المدراء ينعت القادة غالبا بأوصاف غنية بالدلالات العاطفية: الزعيم، الأب الروحي، المرشد، المهاتما (الروح العظيمة).. فالقادة يمنحون الإحساس القوي بالهوية أو بالاختلاف، بالحب أو بالكراهية. والعلاقات الإنسانية في المنظمات التي يسيطرون عليها تتميز بالشحنات العاطفية القوية التي تولد بيئة تنظيمية داعمة لحوافز الأفراد، وتنتج غالبا نتائج غير متوقعة. ولأن العاطفة وحدها لا تؤسس لتنظيم قوي نجد كذلك في هذه المنظمات التي يسيطر عليها القادة الاضطراب والفوضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق