الثلاثاء، 30 يونيو 2015

فقه القيادة (12)

فقه القيادة (12)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

ما هي الأدوار التي يقوم بها كل من المدراء والقادة؟ وما خصوصية أدوار كل منهما؟ وماهي الوضعيات التي تتطلب من كل واحد منهما القيام بأدوار الآخر؟
لنبدأ أولا بالأدوار التي يقوم بها المدراء.
يمنح الوضع التنظيمي للمدراء سلطة خاصة. وهذه السلطة تمنحهم بدورها علاقات خاصة. وهذه العلاقات تعطيهم إمكانية الحصول على معلومات خاصة. وهذه المعلومات هي مادة صناعة قرارات واستراتيجيات المنظمات التي يديرونها. 
يمكن وصف عمل المدراء إذن من خلال ثلاث فئات من الأدوار:
- أدوار مرتبطة بالعلاقات.
- أدوار مرتبطة بالمعلومات.
- أدوار مرتبطة بالقرار.
الأدوار المرتبطة بالعلاقات ثلاثة. وهي الأدوار التي تتولد عن السلطة الشكلية للمدير وهي:
1 - ممثل رسمي
2 - قائد
3 - ضابط اتصال
والأدوار المرتبطة بالمعلومات ثلاثة أيضا. وهي الأدوار التي تتولد عن أدوار العلاقات، وهي:
4 - مركز المعلومات
5 - ناشر أخبار
6 - ناطق رسمي
إن هذه الأدوار الستة المرتبطة بالعلاقات والمعلومات هي التي تتيح للمدير القيام بالأدوار الأربعة الأخيرة المرتبطة بالقرار، وهي:
7 - مدير تطوير الأعمال
8 - مدير أزمات
9 - مدير موارد
10 - مفاوض
توجد إذن عشرة أدوار للإدارة. ومن الواضح أن بعض هذه الأدوار تتقاطع مع أدوار القيادة كما سنرى لاحقا.

فقه القيادة (11)

فقه القيادة (11)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

نختم مقارنتنا بين المدراء والقادة بتحليل الفروق الموجودة بينهما من جهة العلاقة مع الآخر.
يفضل المدراء العمل مع الآخرين، ويتجنبون العمل لوحدهم الذي يسبب لهم القلق. إن الحاجة إلى أناس آخرين للعمل معهم هي الخاصية النفسية الأولى للمدراء. والخاصية النفسية الثانية هي ضعف انخراطهم العاطفي في علاقتهم بالآخرين. وهذه الخصائص النفسية التي تميز المدراء تجد تفسيرها في طبيعة الأدوار المنوطة بهم والمتمثلة في التوفيق بين الفروق، والبحث عن التفاهمات، والحفاظ على توازن السلط. وهذا ما يجعلهم أيضا يفتقدون إلى التعاطف.
أما القادة فيمتلكون درجة عالية جدا من الانتباه للعلامات العاطفية التي تصدر عن الآخر، ويضفون عليها معاني خاصة تؤطر علاقاتهم بالآخرين. وهذه الخصائص النفسية التي تميز القادة تجد تفسيرها في  حساسيتهم العالية لمشاعرهم الداخلية.
إن المدراء يطورون علاقاتهم مع الآخرين في حدود الأدوار التي يلعبونها في فصول الأحداث أو عمليات صناعة القرار. أما القادة فعلاقاتهم بالآخرين تتجاوز الأدوار الرسمية إلى العلاقات القائمة على الحدس والتعاطف. ولذلك نجد المدراء يهتمون بكيفية إنجاز الأعمال، في حين يركز القادة على المعنى الذاتي للإنجاز.
إن الهدف الأول للمدراء هو تحويل العلاقات من نوع "رابح/خاسر" إلى علاقات من نوع "رابح/رابح". ولأجل ذلك يستخدمون عدة طرق أهمها:
- إثارة انتباه الآخرين حول الشكل بدل المضمون؛ أي حول طريقة اتخاذ القرار بدل مضمون القرار نفسه.
- استخدام الإشارات غير المباشرة في التواصل بدل الرسائل المباشرة. مما يعطي للمدراء مساحة واسعة للتأويل والمناورة حسب الحاجة.
- ربح الوقت عن طريق تأخير اتخاذ القرارات المهمة.
لكن هذه المناورات التكتيكية للمدراء لها تكلفة بقدر ما لها من منافع. فهي من جهة ترهق التنظيم بالدسائس السياسية والبيروقراطية، لكن من جهة أخرى تخفف من ضغط الأنشطة السريعة وتساعد على التحكم في التوترات والصراعات. ويجب أن ننتبه إلى أن المكر الذي يوصف به المدراء غالبا لا ينبع من طبعهم وشخصيتهم بل من طبيعة الأدوار المسندة إليهم ومتطلباتها.
وعلى عكس المدراء ينعت القادة غالبا بأوصاف غنية بالدلالات العاطفية: الزعيم، الأب الروحي، المرشد، المهاتما (الروح العظيمة).. فالقادة يمنحون الإحساس القوي بالهوية أو بالاختلاف، بالحب أو بالكراهية. والعلاقات الإنسانية في المنظمات التي يسيطرون عليها تتميز بالشحنات العاطفية القوية التي تولد بيئة تنظيمية داعمة لحوافز الأفراد، وتنتج غالبا نتائج غير متوقعة. ولأن العاطفة وحدها لا تؤسس لتنظيم قوي نجد كذلك في هذه المنظمات التي يسيطر عليها القادة الاضطراب والفوضى.

فقه القيادة (10)

فقه القيادة (10)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

تحدثنا في المقال السابق عن الفروق الموجودة بين المدراء والقادة على مستوى طريقة تعامل كل منهما مع الأهداف. في هذا المقال نبرز الفروق الموجودة بينهما في أسلوبهما في العمل.
يميل المدراء إلى تنسيق جهود الأشخاص والأفكار لوضع الاستراتيجيات واتخاذ القرارات. وهم يدعمون هذه العملية عن طريق تقييم المصالح والصراعات، وتوقع اللحظات الحرجة التي يمكن أن تطفو فيها الصراعات على السطح، ويعملون على تخفيف التوترات. إنهم يعتمدون أسلوب "تسهيل تسيير الأعمال". فمن جهة يتفاوضون وينسجون تفاهمات وتوافقات، ومن جهة أخرى يناورون ويكافئون ويعاقبون. إنهم يشتغلون بنفس طريقة وأسلوب الدبلوماسيين والوسطاء: التوفيق بين وجهات نظر متعارضة، وتأمين توازن مصالح متناقضة.
في مقابل هذا الأسلوب الإداري الذي يبحث بشكل مستمر عن التوازنات الكبرى والتوافق والإجماع ووحدة الصف، يعتمد القادة أسلوبا قياديا قائما على البحث المستمر عن الفعالية والنتائج والأداء. إن القادة يواجهون المشاكل القديمة بحلول أصيلة ويفتحون آفاقا جديدة، في حين يميل المدراء إلى الحد من الخيارات الممكنة.
ولتأمين فعاليتهم يحول القادة أفكارهم إلى صور ملهمة تجعل الناس يتعالون عن انشغالاتهم المباشرة ويتماهون مع المثل العليا التي ترسمها هذه الصور الملهمة. وعندما نتأمل بمنطق عقلاني خطاب القادة، والصور الملهمة التي يرسمها هذا الخطاب، سيبدو لنا هذا الخطاب خرافيا أو عبثيا لأنه غير واقعي ويدافع عن مواقف يمكن أن تكون لها نتائج كارثية. لكن الخطابات والصور الملهمة هي مصدر الأفكار الجديدة بالرغم من كل المخاطر والإحباطات التي تتولد عنها.
والنتيجة هي أن القادة يميلون غالبا، بحكم طبائعهم واستعداداتهم، إلى البحث عن المخاطر وركوبها. أما المدراء فتسيطر غريزة حب البقاء عندهم على الرغبة في المخاطرة.
لقد خلق المدراء لتأمين الاستمرارية والالتزام بالأدوار، وخلق القادة لدعم التغيير. وكل ميسر لما خلق له.

فقه القيادة (9)

فقه القيادة (9)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

المدراء والقادة ينتميان إلى صنفين من البشر يختلفان كليا في طريقة تفكيرهما، وأسلوبهما في العمل.
المدراء لا يرتبطون بأية علاقة شخصية أو نشطة مع الأهداف، والأهداف في نظرهم تمليها الضرورة لا الرغبة. أما القادة فيرتبطون بعلاقة شخصية ونشطة مع الأهداف، والأهداف عندهم نابعة من الرغبة لا من الضرورة.
يقول فريديريك دونر الذي كان رئيسا ومديرا عاما لشركة جينرال موتورز خلال الفترة من 1958 إلى 1967: "لا يجب أن نصمم السيارات التي نرغب في إنتاجها، بل يجب أن نصمم السيارات التي يريدها الزبون". هذه طريقة تفكير المدراء، يصنعون ما يحتاجه السوق.
أما القادة فيصنعون ما يرغبون فيه. لقد صنع ستيف جوبز مؤسس شركة آبل ما يرغب فيه، ثم تكفلت بعد ذلك تقنيات التسويق والإشهار بتوليد الحاجة إلى منتجات صناعته.
القادة يقومون بالفعل ابتداء، وبأفعالهم الابتدائية يغيرون نظرة الناس لما هو ممكن ومرغوب فيه وضروري. أما المدراء فأصحاب ردود فعل، يستجيبون فقط لحاجات الناس.
إن التاريخ الشخصي للقادة يتماهى بكل ما فيه من ذاتية مع تاريخ وثقافة المنظمات التي يقودونها. أما تاريخ وثقافة المنظمات التي يديرها مدراء فتسطره أهدافها التي تعبر فقط عن الحاجات الموضوعية لعملائها.

فقه القيادة (8)

 
فقه القيادة (8)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

يوجد اختلاف نوعي بين ثقافة الإدارة وثقافة القيادة. ثقافة الإدارة تعطي الأولوية لقيم العقلانية والتخطيط والموارد والتنظيم والرقابة وحل المشكلات بهدف عقلنة الأعمال والأنشطة ومراقبتها. أما ثقافة القيادة فتعطي الأولوية لقيم المستقبل والتميز والتغيير والإلهام والتحفيز. 
هذا الاختلاف النوعي بين ثقافة الإدارة وثقافة القيادة واضح أيضا في الفارق الموجود بين شخصية المدير وشخصية القائد.
يحتاج الشخص ليكون مديرا ناجحا إلى المثابرة والحزم والحيوية والذكاء التحليلي وبنسبة أقل إلى التسامح. أما القائد فشخص غير عادي بسمات شخصية غير عادية أبرزها البطولة والعبقرية؛ شخص استثنائي ومتفرد يملك تحكما عاليا في ذاته وله قدرة عالية جدا على توجيه الآخرين.
إن هذا الاختلاف النوعي في الطبيعة بين المدير والقائد يجعلنا نتساءل السؤالين التاليين:
- هل يمكن القول بأن هذا المفهوم الغرائبي للقيادة ما هو إلا شعور طفولي بالتبعية، وتعبير عن رغبة نفسية طفولية في أب مثالي وبطل؟
- أم هل يمكن القول بأن هذا المفهوم العقلاني للإدارة ما هو إلا تعبير عن عجز المدراء عن استشراف المستقبل ومنح قيمة للعمل؟
كيفما كانت كفاءة المدراء فإن قدرتهم على استشراف المستقبل ومنح قيمة للعمل محدودة. وكيفما كانت كفاءة القادة فإن قدرتهم على الضبط العقلاني للعمل محدودة. والتحدي الأول الذي يواجهنا كباحثين في فقه القيادة، ويواجه المنظمات كفاعلين، هو ضبط العلاقة بين الحاجة لمدراء أكفاء وانتظار قادة كبار.

فقه القيادة (7)

فقه القيادة (7)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

ما الفرق بين المدراء والقادة؟
ينتمي المدراء والقادة إلى فئتين مختلفتين من البشر. يولد المدراء من رحم الحاجة، أما القادة فيولدون من رحم الرغبة.
يستجيب المدراء للحاجة الملحة لإدارة العلاقات بين مختلف الهياكل التنظيمية والوظيفية، وتأمين السير العادي للأنشطة اليومية. أما القادة فيستجيبون للرغبة في استغلال الفرص وإلهام الموظفين وتغذية الإبداع. النتيجة: مدراء بارعون في خلق الروتين، وقادة متميزون في خلق الفوضى.
إن المنظمات بحاجة إلى المدراء والقادة في نفس الوقت لتأمين وجودها وتطورها. لكن في الواقع تهيمن ضرورات الإدارة على سحر القيادة. إن الهيمنة الواضحة لنماذج المدراء في أغلب المنظمات تؤكد وجود الحاجة إلى الأشكال التنظيمية المركزية أكثر من الحاجة إلى تحرير المبادرة، والحاجة إلى تسيير المهام اليومية أكثر من الحاجة إلى إعداد المستقبل، والحاجة إلى وحدة الصف وقيم التوافق والإجماع أكثر من الحاجة إلى قيم الفعالية والنتائج والأداء، والحاجة إلى تأمين الاستمرارية أكثر من الحاجة إلى تدعيم التغيير. إن المنظمات، كالبشر، يحلمون بالعودة أكثر مما يحلمون بالرحيل.

فقه القيادة (6)

فقه القيادة (6)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

القيادة رؤية، ثم بناء فريق عمل، ثم تحفيز، وأنشطتها الخاصة تحددها وظائف قيادة التغيير. والإدارة تخطيط، ثم تنظيم، ثم مراقبة، وأنشطتها الخاصة تحددها وظائف إدارة التعقيد. وتقرر كل من القيادة والإدارة الأنشطة الخاصة بهما من خلال الإجابة عن الأسئلة الثلاث التالية:
1 - ما العمل؟
2 - من الفاعل؟ 
3 - كيف نؤمن وفاء الفاعل بالعمل؟

أولا: ما العمل؟
القيادة تحدد الاتجاه والإدارة تخطط لاستكمال تعريفه
القيادة لا تخطط، ولا يندرج التخطيط ضمن وظائفها. وظيفة القيادة هي النظر في المستقبل، والتنظير له، ووضع استراتيجية واقعية لانتظاره؛ تحديد الاتجاه، والرؤية، والتغيير الذي يجب إحداثه لكي تتحقق الرؤية. وعلى الإدارة أن تخطط لاستكمال تعريف الاتجاه والرؤية والاستراتيجية ومراقبة هذه العناصر وتصحيحها وفق معطيات الواقع.

ثانيا: من الفاعل؟
القيادة تبني فريق عمل والإدارة تبني تنظيم
القيادة لا تنظم، ولا يندرج التنظيم ضمن وظائفها. وظيفة القيادة هي تأمين وحدة التصور والشعور والولاء والسلوك. وعلى الإدارة أن تستقطب الموارد البشرية حسب الحاجة وتنظمها.

ثالثا: كيف نؤمن وفاء الفاعل بالعمل؟
القيادة تحرك الإرادات وتحفزها والإدارة تراقب
القيادة لا تراقب، ولا تندرج المراقبة ضمن وظائفها. وظيفة القيادة هي تحريك الناس بشكل غير عادي نحو الأهداف والغاية وإلهامهم وتحفيزهم من خلال إشباع حاجات إنسانية أساسية. وعلى الإدارة أن تراقب وتضبط أناس عاديين، وتجعلهم يتصرفون بطريقة عادية، ويقومون بمهام عادية.

ثلاث وظائف ضروري أن تقوم بها القيادة والإدارة وتحدث من خلالها تغييرات في الجو الفكري والنفسي والعملي، الفردي والجماعي، في المنظمة.
إن القيادة عملية على فعاليتها يتوقف وضوح الرؤية، ووحدة التصور والشعور والولاء، ونهوض الإرادات للطلب. والإدارة عملية على فعاليتها يتوقف نجاح التخطيط، والتنظيم، والرقابة.
وحول القيادة تتبلور رؤية، ويتكون فريق عمل، وتنعقد إرادة. وتدعم الإدارة عمل القيادة وتستكمله بالتخطيط والتنظيم والرقابة.  وبتظافر جهودهما وتكاملهما يبتدئ تاريخ جديد.

فقه القيادة (5)

فقه القيادة (5)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال
 
بين المدير والقائد فارق نوعي؛ المدير يدير التعقيد، والقائد يقود التغيير. ولا أحد منهما أعلى درجة أو أقل من الآخر.
تمثل ممارسات الإدارة وإجراءاتها إجابة عملية لتحدي التعقيد الذي يميز المنظمات الكبيرة. أما ممارسات القيادة ووظائفها فتمثل إجابة عملية لتحدي التغيير المتسارع والتنافسية الشرسة في عالم اليوم. إن كلا من الإدارة والقيادة له وظائفه الخاصة به وأنشطته المميزة له.
لكن بين الإدارة والقيادة تكاملا وظيفيا؛ فعمل القيادة مكمل لعمل الإدارة، ولا يمكن لأحدهما أن يكون بديلا عن الآخر.
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه المنظمات اليوم هو تحدي الجمع بين الإدارة القوية والقيادة القوية بحيث تكون كل واحدة منهما داعمة بقوتها للأخرى وضامنة، من موقع وظيفتها، لتوازن السلوك الإداري.
لقد فقدت شركة آبل قيادتها القوية بعد وفاة مؤسسها وقائدها الأسطورة ستيف جوبز. لكن غياب جوبز لم يوقف مسلسل نجاحات شركة آبل؛ لأن القيادة تكمل الإدارة ولا تقوم مقامها. إن آبل ما تزال قوية بقوة إدارتها.
لكن الجرة لا تسلم في كل مرة. فالجيش القوي بإدارته لا يستطيع دائما كسب الحرب ولا المعركة بدون قيادة قوية. لا يمكن تطبيق منطق السلم وقواعده على فترات الحرب. في فترات السلم يحتاج الجيش إلى إدارة قوية، لكن في فترات الحرب يحتاج إلى قيادة قوية.
إن الادارة والقيادة وجهان لعملة واحدة. والمنظمات تحتاج إلى إدارة قوية وقيادة قوية في نفس الوقت، لكن أغلب المنظمات تعاني من ضعف أحدهما أو من ضعفهما معا. وهذا الوضع يفرض علينا طرح السؤال التالي: أيهما يعطي نتائج أفضل: إدارة قوية مع قيادة ضعيفة، أم قيادة قوية مع إدارة ضعيفة؟
إن الإدارة القوية مع قيادة ضعيفة تعطي نتائج أفضل من القيادة القوية مع إدارة ضعيفة. لذلك تحتاج كل منظمة تسعى إلى الأداء القيادي العالي إلى العناية بقوة إدارتها في غمرة انشغالها بتطوير قوة قيادتها.

فقه القيادة (4)

فقه القيادة (4)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال
 
عقبات كثيرة تحول دون تطوير الوعي بطبيعة عمل القادة، ودون تجسيد هذا الوعي في برامج فعالة لإعداد القادة وممارسات قيادية ناجعة وناجحة. من أهم هذه العقبات نجد:
- التداخل بين أعمال الإدارة وأعمال القيادة. فرغم الفارق النوعي الموجود بين الإدارة والقيادة إلا أن التداخل بينهما على المستوى العملي كبير.
- التداخل الموجود بين الرغبة والحاجة، وتنازع الرغبة والضرورة أعمال القيادة. 
- التداخل بين الرؤية الموجودة في ذهن القائد والرؤية الموجودة في الخطة الاستراتيجية المكتوبة والمتداولة. أين ينتهي القيادي، وأين يبدأ الإداري؟
- وجود أعمال روتينية لازمة للقائد وانتشار فكرة أن القائد الفعال هو من يتحرر من الأعمال الروتينية.
- الخلط الموجود لدى الكثير من المنظمات بين احتياجاتها من المدراء واحتياجاتها من القادة. فتجد البعض منها يعمل على استقطاب المزيد من المدراء لحل مشكلة غياب القادة، وتدريب المزيد من المدراء لحل مشكلة ضعف القادة.
- التداخل بين الفكر والفعل في عمل القائد؛ فالقائد يفكر كرجل عمل، ويعمل كرجل فكر.
- التداخل بين مختلف أنظمة جمع وتحليل المعلومات: النظام اليدوي والنظام الآلي والنظام البشري، وهذه الأنظمة الثلاثة كلها لازمة وضرورية لصناعة القرار. وهذا التداخل يفرض طرح السؤال التالي: ما الحدود الفاصلة بين نظام دعم القرار الخاص بالقائد، ونظام دعم القرار الخاص بالمؤسسة؟
- ضعف الوعي بالأهمية الاستراتيجية للنظام البشري لجمع وتحليل المعلومات. لا زلنا نعتقد أن النظامين اليدوي والآلي لجمع وتحليل المعلومات كافيان لصناعة القرار. هكذا تضيع فرصة صناعة قيادات من خلال تطوير الأنظمة البشرية لجمع وتحليل المعلومات.
- الخلط بين متطلبات إدارة التغيير وقيادته. وخطأ قيادة التغيير بالمدراء، بدل إدارة التغيير بالقادة.
عقبات كثيرة إذن تحول دون تبين طبيعة عمل القائد وحدوده، فهل يسعفنا "فقه القيادة" بالدقة والوضوح ويكون منقدا لنا من هذا التداخل والخلط والغموض؟

فقه القيادة (3)

فقه القيادة (3)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال
 
إسأل أي باحث في القيادة أو مدرب فيها عن معنى القيادة وسيقول لك بكل تأكيد إنها "القدرة على التأثير وتحفيز الأفراد للقيام بأمر ما يوصل لتحقيق الأهداف". إفتح أي معجم على كلمة "قيادة" وستجد: "القيادة هي القدرة على توحيد الجهود وتحريكها حول فعل جماعي".
سيطر هذا التعريف على معاجم القيادة، لكن هل تعطينا هذه الكلمات الدقة والوضوح المطلوبين عن ماهية القيادة ومهمتها؟ ما هو عمل القادة بالضبط؟
إذا كنا عاجزين عن الإجابة عن هذا السؤال، فكيف سنكون قادرين على "إعداد القادة"؟
إذا كنا نجهل طبيعة عمل القائد فكيف سنصمم برامج لإعداد القادة؟ وكيف سنعلم فقه القيادة؟ وكيف سنطور الممارسات القيادية؟
إن وعينا بطبيعة عمل القادة، وتجسيد هذا الوعي في برامج فعالة لإعداد القادة، وفي ممارسات قيادية ناجحة وفعالة دونه عقبات كثيرة.

فقه القيادة (2)

فقه القيادة (2)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال
 
يشغل القائد موقعا قياديا وينظر إليه كقائد فهو السلطة. ويصنع رؤية المؤسسة ويطورها ويوضحها ويرسم الخطوات العملية المؤدية إليها فهو الاستراتيجية. ويوفر الموارد للأهداف والغايات العليا وينظمها وينسق جهودها فهو الخطة التشغيلية. ويبحث عن دعم إضافي للموارد من خارج المؤسسة فهو الشراكة. ويحفز الأفراد للقيام بمهامهم وبالأعمال التي توصل لتحقيق الأهداف فهو نظام التحفيز. ويحدد الكيفية العملية لهندسة القيمة وتحويلها إلى عائد فهو نموذج الأعمال. ويستقطب الكفاءات ويحتضنها ويصاحبها فهو منظومة التدريب. ويجسد سلوكيا تاريخ المنظمة وقيمها وقواعد السلوك بها فهو الثقافة التنظيمية. ويدرك الحاجة إلى التغيير ويدعمه ويجعله ممكنا فهو صانع التغيير. ويمنح الثقة في قدرة المؤسسة على تجاوز الأزمات فهو الأمل في مواجهة تحديات الحاضر ومفاجآت المستقبل. ويحول الأهداف المجردة إلى نتائج ملموسة فهو الأداء.
يقضي القائد الكثير من الوقت "كضابط اتصال " ويمثل بشكل رسمي المؤسسة فهو شبكة العلاقات. ويوجد في مركز تدفقات المعلومات يتلقى يوميا سيلا هائلا ومربكا من المعلومات من داخل المؤسسة ومن خارجها فهو بنك المعلومات. ولأنه شبكة العلاقات وبنك المعلومات الشاملة والمحدثة فهو المقرر والقرار.
إنه، في كلمة واحدة: القائد.. محرك رهيب للوضوح في الفهم والمضاء في العزيمة عندما يقود المواجهة من داخل حقل التنافس والصراع بمحركي العقل اليقظ والإرادة الحازمة.

فقه القيادة (1)

فقه القيادة (1)
سلسلة يكتبها د. إدريس أوهلال

ثلاث أزمات تفسر إخفاقات الماضي، وتعمق جراحات الحاضر، وتحاصر آمال المستقبل: أزمة القيادة، وأزمة الاستراتيجية، وأزمة التنظيم. ثلاث أزمات تعاني منها الإدارات العامة والشركات الخاصة والجمعيات والمنظمات عندنا ولا تزال.
والأزمة الأولى أعوص من الثانية والثالثة؛ فلنا من ترهل القيادات وضعف أدائها ما يكفي لتأليف موسوعة في العود الأبدي لتجارب الفشل. لكن لدينا أيضا من نماذج القيادة الناجحة والفعالة ما يدعو للفخر والاعتزاز، ويوفر نماذج حية للدراسة والتحليل.
كانت أزمة الاستراتيجية هي الدافع الأساس لي في ما ترجمت من أدوات ومنهجيات في التشخيص والتخطيط والإدارة الاستراتيجية، وفي ما كتبت من مقالات في موضوع الاستراتيجية خلال السنوات الماضية. وعندما نشرت كتابي "فقه الاستراتيجية" قمت بتوضيح الكثير من المفاهيم، وضبط الكثير من المبادئ، وبناء الكثير من النماذج. تحدثت عن التفكير الاستراتيجي، والفعل الاستراتيجي، والحقل الاستراتيجي، والذكاء الاستراتيجي... وحاولت جهد الإمكان أن أساهم في بناء مفاهيم ومبادئ وأدوات فقه الاستراتيجية بما يساعد كل من يهمه الأمر للخروج من أزمة الرؤية وغموض المشروع.
بعد "فقه الاستراتيجية" أنتقل الآن للكتابة عن القيادة.. عن "فقه القيادة". وأسأل الله أن يبارك في الوقت والعمر للكتابة مستقبلا عن "فقه التنظيم".